رأيك يهمنا

رأيك يهمنا

لو عندك مقترحات أو أي مشاكل في الموقع قوللنا رأيك

حكاية أم

حكاية ام

أنا وبنتي وبس

Main Mother Image

شاركي عائلتك وأصدقائك

الحكاية

أنا وبنتي وبس 

قررت الانفصال عن زوجي بينما لم يتعدى عمر ابنتى الثلاث سنوات. أؤمن أن كل أم تجبرها الأقدار أن تتولى تربية أبنائها بمفردها تتحمل مسئولية عظيمة دون وجود رجل يساندها وتستمد منه الحكمة لتتوازن الأشياء، فللرجل طبيعته ومسئولياته وللمرأة طبيعتها ومسئولياتها فيكتمل كلاهما بالآخر وينجحا سويا فى انجاب شخصيات متزنة عقليا ونفسيا وعاطفيا. ولكن فى نفس الوقت، أنا لا أؤمن بالأزواج الذين يقرروا أن يكملا حياتهما سويا فقط لأجل الأبناء، فالانفصال هنا أمر حتمى وما هو إلا قرار مؤجل ولكن مع مرور الوقت يضيع من داخلهما رونق وجمال الحياة وروح وبهجة الارتباط، وبرغم صعوبة قرار الطلاق إلا أنه الأفضل لجميع الأطراف، هكذا آمنت فى يوم من الأيام وها هو ما أثبتته الأيام برغم صعوبة المشوار إلا أن للنجاح طعم لا يضاهيه آخر، وقبول التحدي ومواجهة الصعاب بمفردك ما هى إلا تجارب تقويك.

عندما تجدين نفسك أم فى سن الواحد والعشرين وتكتشفي أنك ذلك النوع من الأمهات اللاتى لايقبلن أن يأخذ دورهن أحد، وفى المقابل تجدى ابنتك الصغيرة متعلقة بك لدرجة تكاد أن تكون مرضية بل وترفض أن يعتني بها غيرك كما ترفضين تماما الحياة مع زوج لم تتفقى معه إلا فى شىء واحد ألا وهو "لن نتفق".. كان قرارالطلاق بلا سكن بلا عمل ونفقة شهرية لا تكفى اياما معدودة من الشهر. ماذا أفعل؟ هل استسلم؟ هل أقبل بالعودة إلى شخص لا يشبهنى فى شىء! هل أقبل بأول عريس يدق بابى لألقى عليه ولو جزءا من مسئولياتى! وجاء قراري سريعا غير مترددا وقررت أن أواجه فلست من الشخصيات التى تتوارى وتحزن وتستسلم.

تسلمت عملى الجديد، فكنت فى الصباح امرأة عاملة، تتعلم وتضيف إلى خبرتها كل يوم شىء جديد.. وثابرت ونجحت وأحبطت ووقعت ووقفت وحوربت من أعداء النجاح والنفوس الغيورة الحقودة.. وكنت فى المساء أما تتابع أمور ابنتها وواجباتها المدرسية وتمارينها الرياضية، حتى أننى ظللت أضع ابنتى في سريرها واحكى لها الحواديت وهى فى سن العاشرة، ولامانع أبدا من أن أخرج مع صديقاتى ونتبادل الزيارات إما بعد أن ينام أبنائنا أو فى نهاية الأسبوع. أعتدت أن أقسم راتبى فى 4 أظرف، وأجبرت نفسى ألا أفتح كل ظرف إلا مع بداية كل اسبوع حتى لا أقع فى ضائقة مالية مع نهاية الشهر..

لن أنكر أننى مررت بأيام صعبة واضطررت مرارا إلى تغير عملى بل تغيير مجال عملى بالكامل بسبب مضايقات الرجال الذي يصوّر لهم خيالهم المريض أن المرأة المطلقة امرأة سهل الوصول إليها وخاصة إذا ماكانت شابة وجميلة.. كان لابد أن أجد حلا حاسما حتى أستطيع أن أعيش بلا أقنعة وحتى أستطيع أن أكون نفسى، فكرت كثيرا ولم أجد حلا إلا فى تقمص شخصية رجل حتى أستطيع أن أتعايش فى مجتمع لا يقبل المطلقات بل وينظر إليهن نظرة متدنية. وبالفعل وجدت نفسى أفكر كما يفكر الرجال وأتصرف كما يتصرفون، فاشتهرت على سبيل المثال بأننى المرأة التى تستطيع تغيير كاوتش سيارتها دون اللجوء لأحد، والتى تستطيع أن تذهب بسيارتها لمنطقة الحرفيين للوقوف على الميكانيكى أثناء تصليحه للسيارة، واشتهرت بكلمة "أنا راجل". وأثبت علم النفس نجاح نظرية أن تكرار الجملة بين الانسان ونفسه وترديدها كثيرا فى عقله الباطن تجعل عقله الواعى يفكر وينفعل ويتصرف وفقا للفكرة التى باتت محفورة فى عقله الباطن، وهنا اكتشفت اننى أستطيع أن أتحدى كل شىء وأستطيع أن أربى ابنتى كما أريد بتطبيق تلك النظرية، كما قالها المبدع عبد المنعم مدبولى عندما لعب دور طبيب نفسى ونصح الفنان فؤاد المهندس بأن يواظب على ترديد جملة  أنا مش قصير أوزعة أنا طويل وأهبل حتى يستطيع ن يتخلص من عقدة قصره.

 باختصار شديد.. ماتؤمنين به سوف  تستطيعين تحقيقه، بهذا المبدأ استطعت أن أتغلب على كل العقبات التى واجهتنى فى تربية ابنتى.. صاحبتها منذ صغرها وأعطيتها مساحة تخصها وحدها فى اتخاذ قرارات قد تبدو بسيطة كاختيار ملابسها، ألوانها، ترتيب غرفتها بالشكل الذى تستريح له إلى كثير من القرارات الأكثر تعقيدا.. كما اتفقنا أن هناك مساحة أخرى للتشاور بيننا والنقاش حول رغباتها للوصول لأفضل القرارات، كما اتفقنا على أن هناك مساحة خاصة بى أنا كأمها وولية أمرها لى الحق فى اتخاذ ما أرى فيه الصالح لها ولنا سويا وتلك المساحة كانت غير قابلة للجدل بمعنى أنها لابد وأن تلتزم بقراراتى حتى لو انتهى نقاشنا بعدم اقتناعها، على وعى منها أننى بحكم خبرتى وسنى أرى أمورا قد لاتراها هى. فكانت النتيجة اننا تفاهمنا إلى حد كبير وعبرنا من سن المراهقة دون خسائر ولله الحمد. لا أنكر مدى صعوبة هذه الفترة وأهمية التوازن بين وجود صداقة وحوار متواصل لا ينقطع تقريبا وبين الصرامة والحزم فى العقاب، والجمع بين قلب الأم وعقل الرجل. بل أننى تعمدت أن أشارك والدها فى أشياء بعينها حتى أحتفظ بصورته أمامها وأعلمها أننا اذا اختلفنا فى كل شىء فنحن متفقان على حبها وعلى رغبتنا فى أن تكون أفضل الناس.

"عجبت لأمر المؤمن كله خير، إذا أصابته سرّاء شكر، فكان خيرا له، وإذا أصابته ضرّاء صبر، فكان خير له لقول الله سبحانه تعالى إنّ مع العسر يسرا إنّ مع العسر يسرا مرتين متتاليتين". صدق رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام. لم أشعر يوما واحدا حتى وأنا فى قمة حيرتى فيما يخص ابنتى أو أمور عملى أن الله بعيدا، فالصبر مفتاح الفرج عن حق.

ولأن ابنتى طفلة وحيدة، فحرصت كل الحرص على وجود صديقاتها معنا فى معظم الأوقات وقربهم مننا، صادقتهن جميعا وأمهاتهن أيضا حتى أشعر ابنتى بروح العائلة التى حرمنا منه. وكلما احتجت إلى جذب انتباه ابنتى حول أى موضوع أو إقناعها بأى شىء أو تشجيعها على مصارحتى بأى شىء.. كنت أنتظر حتى تتجمع صديقاتها فى منزلنا لأبدأ أى نقاش ما، فقد كنت أكتشفت أن البنات فى سن المراهقة قد يصارحن أمهات صديقاتهن بينما يخجلن من مصارحة أمهاتهن، وقد يتقبلن نفس الرأى من شخص آخر بينما ينتقدن أمهاتهن فيه، ولذلك وجدت أن الحوار والنقاش مع ابنتى وصديقاتها أسهل وأقصر الطرق للتأثير على عقلها، وكأننى أوصل رسالة غير مباشرة لها ثم أتركها بعد ذلك لصديقاتها ليكملن اقناعها بما استطعت أنا إقناعهن به.

وكان أكثر ما أجهدنى أو أستنزفنى بمعنى أدق هو أن أحافظ على علاقة ابنتى بأبيها، لم يكن بالأمر الهيّن أو السهل ولكن حيث وجدت الإرادة يتحقق الهدف.

الآن وبعد أن أتممت ابنتى عامها العشرون وأوشكت على التخرج، قد أصبحنا صديقتان تتشاركان الحياة بحلوها ومرها، أحيانا أعد لها الطعام وكثيرا ما تعدّه هى، وأصبحت هى الآن من تنصحنى فيما يخص الموضة والأزياء وقصّة الشعر.. عندما أنظر إليها الآن أشعر بأن المثابرة والتصميم والاصرار على بلوغ الهدف أعظم صفات اكتسبتها ابنتى منى، وكلما تذكرت مشقة المشوار كلما شعرت بالفخر والسعادة.

قد تكونين أما.. لكن بلا أبناء، وقد تكونين أما.. لكن بلا زوج، وقد تكونين أما وزوجة ولكن بلا روح.. ولكن الأفضل دائما أن تكونى مؤمنة بذاتك.

*هذه مساحة حرة للأمهات، تعبر فيها الأم عن رأيها وإحساسها. قد تحكي تجربة، أو موقف، قد تعبر عن سعادتها أو تشارك الأمهات قلقها. قد نختلف في الشكل، في التفكير، في التربية، ولكن نتشارك في حب أطفالنا وتمنى الأفضل لهم.